السجين الذي اخترق 10 أبواب ليهرب من السجن

تدور أحداث القصة في سبعينيات القرن الماضي بجنوب أفريقيا. كانت جنوب أفريقيا في تلك الفترة تعاني من نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، الذي استمر من عام 1948 إلى 1994. هذا النظام كان يميز الأقلية البيضاء ذات الأصول الأوروبية، ويجبر السكان السود والأفارقة الأصليين على العيش في أحياء فقيرة وغير صحية، ويمنعهم من دخول المناطق النظيفة والمرتبة المخصصة للبيض. وقد قاوم الشعب الجنوب أفريقي، وخاصة الأفارقة، هذا النظام، وكان نيلسون مانديلا رمزاً كبيراً لهذه المقاومة، حيث سُجن لمدة 27 عاماً قبل أن يصبح أول رئيس أفريقي لجنوب أفريقيا.

ومع أن نظام الفصل العنصري كان يصب في مصلحة الرجل الأبيض، إلا أن القصة تركز على رجلين أبيضين شريفين كانا رافضين لهذا النظام: تيم جنكن وستيفن لي. كان الاثنان من النشطاء ضد نظام الفصل العنصري. في إحدى المرات، استخدم تيم جنكن “قنبلة منشورات” التي كانت تنشر أوراقاً تدعو الشعب لمقاومة الحكومة ونظام الفصل العنصري. بسبب أنشطتهم المقاومة، تم اعتقال تيم وصاحبه ستيفن في يناير 1978 من قبل القوات الأمنية في جنوب أفريقيا. وُضعت عليهما تهمة الإرهاب وحُكما عليهما بالسجن لمدة 12 عاماً في سجن بريتوريا، الذي كان يُصنّف كواحد من أقوى السجون ومشيدة الحراسة في جنوب أفريقيا.

القرار بالهروب والتحديات الأولية: منذ اللحظة الأولى لدخولهما السجن، كان تيم وستيفن عازمين على الهروب. ومع ذلك، كان السجن صعباً للغاية ومليئاً بالتدابير الأمنية:

  • السور كان شبكاً حديدياً بطول ستة أمتار.
  • أسطح السجن كانت عليها حراس مسلحون طوال الوقت.
  • في الليل، كانت الكلاب تُطلق في ساحات السجن، قادرة على شم وتعقب أي سجين يحاول الهرب.
  • كانت زنزانتهما في الطابق الثاني، مما جعل الهروب بحفر نفق أو من النافذة مستحيلاً.
  • لاحظا كثرة الأبواب التي عبروها للوصول إلى زنزانتهما، فكان السجن مليئاً بالأبواب الثقيلة والقضبان والأبواب الخشبية.
  • زنزانتهما كانت تحتوي على بابين: باب داخلي من القضبان، وباب خارجي مصفح، وهذا الأخير لم يكن يُفتح إلا من الخارج.

أدرك تيم أنه لا توجد طريقة للخروج إلا من الأبواب. وقدّروا في البداية أنهم بحاجة لاختراق عشرة أبواب بالمجمل للخروج من السجن.

ابتكار الأدوات وفتح الأبواب: تمتع تيم بمعرفة عامة حول كيفية عمل الأقفال من تجارب سابقة.

  1. صناعة المفتاح الأول (باب الزنزانة الداخلي):
    • بدأ تيم بتأمل قفل الزنزانة الداخلي وتخيل شكله الداخلي.
    • استخدم ورقة وقلم لأخذ قياسات تقريبية للقفل ولتحديد عمقه.
    • توصل إلى فكرة صناعة المفتاح من الخشب، مستفيداً من عمله في ورشة النجارة التابعة للسجن.
    • كان يصنع المفتاح تحت مراقبة الحراس، وكان ستيفن يغطيه.
    • لتهريب المفتاح، اكتشف أن قاعدة كوب القهوة الخاص به قابلة للفك، فوضع المفتاح داخلها وحشاه بالورق لمنع الصوت أثناء التفتيش.
    • على الرغم من توتره، تمكن من تهريب المفتاح بنجاح.
    • المفتاح الخشبي لم يعمل في البداية. لكن تيم اكتشف أن القفل يترك علامات على المفتاح. استخدم قطعة حديد صغيرة لحفر وتعديل المفتاح بناءً على هذه العلامات، وكرر المحاولة حتى فتح القفل.
  2. فتح الباب الثاني (باب الزنزانة الخارجي المصفح):
    • لم يكن لهذا الباب قفل من الداخل، فقط من الخارج.
    • كانت فرصته الوحيدة لأخذ قياسات القفل هي يوم الجمعة، عندما يُسمح للسجناء بتنظيف القسم والممر، وتكون الأبواب مفتوحة.
    • قام بصناعة مفتاح خشبي جديد بنفس الطريقة السابقة.
    • واجه مشكلة في إحدى المرات حيث علق القفل، لكن الحراس لم يشكوا في شيء.
    • المشكلة الأكبر كانت كيفية الوصول إلى القفل من الداخل. ابتكر تيم حلاً ذكياً باستخدام مكنسة: قام بتثبيت المفتاح الخشبي بقطعة خشب في نهاية عصا المكنسة، واستخدم مرآة صغيرة ليرى فتحة القفل من خلال النافذة الصغيرة في زنزانته.
    • هذه العملية كانت صعبة للغاية، واستغرقت منه شهرين كاملين ومئات المحاولات، واضطر إلى تبديل المفتاح أكثر من مرة، حتى نجح أخيراً في فتح القفل.
  3. فتح الباب الثالث (باب القسم):
    • المفاجأة السارة كانت أن هذا الباب يُفتح بنفس المفتاح الأول الذي صنعوه لباب الزنزانة الداخلي، مما اختصر عليهم جهداً كبيراً.

استكشاف المسار وتجنيد المزيد من المساعدة:

  • في البداية، فكروا في الهروب عبر ساحة السجن بالحفر أو تسلق السياج.
  • لكن تيم اقترح محاولة الهروب من باب رئيسي.
  • لكي يعرفوا تخطيط السجن وعدد الأبواب المتبقية، ادعى ستيفن أن لديه ألماً شديداً في أسنانه ليتم نقله إلى طبيب أسنان خارج السجن.
  • اكتشف ستيفن أن هناك سبعة أبواب إضافية بعد القسم، مما رفع العدد الإجمالي للأبواب إلى عشرة.
  • قرروا أنهم بحاجة لعضو إضافي في الفريق، فجنّدوا سجيناً سياسياً آخر يدعى أليكس مومباريس، الذي كان محبوساً بنفس التهمة.

المسار المفصل للأبواب العشرة:

  • الباب 1 و 2: بابا الزنزانة.
  • الباب 3: باب القسم.
  • نزول الدرج (من الطابق الثاني).
  • الباب 4: أسفل الدرج.
  • الباب 5: في نهاية ممر، أمام مكتب الحراس الرئيسي.
  • الباب 6: بعد الباب 5.
  • الباب 7: باب قضبان.
  • الباب 8: مفتوح عادةً.
  • الباب 9: باب آخر.
  • درج صغير يؤدي إلى الباب الأخير.
  • الباب 10: الباب النهائي المؤدي مباشرة إلى خارج السجن (باب خلفي).

تجاوز الأبواب المتبقية:

  • الباب 4: كانوا يرونه يومياً. صنع تيم مفتاحاً تقريبياً له. استغلوا روتين حارس ليلي كان يشغل الموسيقى ثم يقوم بجولة. نزل تيم وأليكس وفتحوا الباب الرابع بنجاح في أول محاولة لهم بعد تعديل المفتاح.
  • الباب 5: كان أمام مكتب الحراس. لكي يصلوا إليه، كانوا يختبئون في خزانة صغيرة تحت الدرج بعد خروج الحارس لجولته. كانت عملية محفوفة بالمخاطر، حيث كاد باب الخزانة أن ينفتح في وجه الحارس. لكن الحارس لم ينتبه. ولحسن حظهم، لم يغلق الحارس الباب الرابع وراءه. اكتشفوا أن مفتاح الباب الرابع يعمل أيضاً على الباب الخامس.
  • الباب 6 (الأصعب): كان هذا الباب مصفحاً ومختلفاً تماماً. فشلت محاولات تيم الأولية. شعر بالهزيمة والقلق. فكر في تصميم جديد: مفتاح برأس خشبي موصول بأسلاك معدنية. سمح هذا التصميم بتبديل الرؤوس الخشبية بسرعة وحرية أكبر في تحريك المفتاح داخل القفل.
  • إطالة جولة الحارس: لربح المزيد من الوقت، وضع ستيفن خطة لإشغال الحارس في زنزانته، حيث بدأ يتحدث معه طويلاً عن رياضة الرجبي.
  • الباب 7 (القضبان): كان قفله ظاهراً. استخدم تيم سكين خبز لفك براغي القفل، ثم قام بتفكيكه وتعديله من الداخل ليصبح قابلاً للفتح بأبسط حركة أو سلك.
  • الباب 8: كان مفتوحاً دائماً.
  • الباب 9: اكتشفوا أن نفس مفتاح البابين الرابع والخامس يفتح الباب التاسع.
  • الباب 10 (باب الخروج): كان باباً خشبياً عادياً، لكن قفله لم يكن يشبه الأقفال السابقة. لم يكن لديهم وقت لتجربته، فقرروا تأجيله والعودة إلى زنازينهم.

ليلة الهروب الكبرى (11 ديسمبر 1979):

  • التحضير: ارتدى الثلاثة ملابس مدنية كانوا قد سرقوها من مبانٍ أخرى في السجن باستخدام مفاتيح صنعها تيم.
  • خطة الإلهاء: بما أن ستيفن سيشارك في الهروب، لم يتمكن من إلهاء الحارس. لذا، اتفقوا مع سجين سياسي آخر يدعى دينيس غولدبرغ على مساعدتهم. كانت الخطة أن يقوموا بقطع الكهرباء عن القسم، حيث يقع قاطع الكهرباء على جدار الدرج.
  • تنفيذ الهروب:
    • عندما بدأ الحارس بتشغيل الموسيقى، تحرك تيم وفتح بابي زنزانته، ثم أخرج ستيفن وأليكس من زنازينهما.
    • أثناء نزولهم الدرج، قام أليكس بتخريب الأسلاك في قاطع الكهرباء لجعل إصلاحها صعباً.
    • اختبأ الثلاثة في الخزانة الصغيرة تحت الدرج، وكانت بالكاد تتسع لهم.
    • في الأعلى، بدأ دينيس غولدبرغ بالصراخ لإبلاغ الحارس بقطع الكهرباء.
    • مر الحارس بجانب الخزانة دون أن يلاحظهم، وصعد إلى قسم الزنازين.
    • خرج الثلاثة من مخبئهم ومروا عبر الأبواب 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 بسرعة. الباب السادس الذي كان الأصعب فُتح في دقيقتين أو ثلاث بفضل مفتاح الأسلاك.
    • وصلوا إلى الباب العاشر (باب الخروج)، وبدأ تيم بتجربة المفاتيح، لكن أياً منها لم يعمل. شعر بالتوتر الشديد.
    • سمعوا الحارس ينهي إصلاح الكهرباء ويعود إلى مكتبه، مما يعني أنه أصبح بينهما وبين زنازينهم.
    • اقترح تيم العودة، لكن ستيفن وأليكس رفضا. أخذ أليكس أداة حديدية وبدأ يحفر في الخشب حول قفل الباب العاشر لكسره، رغم اعتراض تيم على الضوضاء.
    • لحسن حظهم، لم يسمع الحارس الصوت، وانفتح الباب فجأة.
    • خرج الثلاثة بهدوء، ورؤوسهم منحنية، محاولين ألا يثيروا الشكوك.
    • واجهوا حارسين كانا قد أنهيا دوامهما للتو. لم يهتم الحارسان كثيراً، ظناً منهما أنه ليس من المنطقي وجود سجناء في هذا المكان بملابس مدنية.
    • واصل الثلاثة السير حتى وصلوا إلى شارع رئيسي، حيث شعروا أخيراً بحرية لا توصف.

ما بعد الهروب:

  • على عكس قصص الهروب المعتادة، لم يتم القبض على تيم جنكن، ستيفن لي، وأليكس مومباريس.
  • كان لديهم اتفاق مع مهرب من زيمبابوي.
  • سافروا من زيمبابوي إلى زامبيا، ثم إلى تنزانيا، ومن هناك استقلوا طائرة إلى لندن، حيث استقروا.
  • عاشوا في لندن حتى نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عام 1994.
  • بعد ذلك، كتب تيم جنكن كتاباً بعنوان “الهروب من بريتوريا”، يروي فيه تفاصيل هروبهم. وقد تم تحويل هذا الكتاب إلى فيلم درامي. كما ظهر تيم في أفلام وثائقية وألقى محاضرات وندوات حول قصتهم المذهلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top