استطاعوا اختراق أكبر وأقوى جدار سجن بأغرب طريقة يمكن أن تتخيلها

تتناول القصة محاولة هروب جريئة ومذهلة قام بها سجينان خطيران من سجن منشآت كلينتون الإصلاحية، المعروف أيضًا باسم سجن دانيمورا. يقع هذا السجن في منطقة جبلية شمال ولاية نيويورك الأمريكية، ويُعتبر من سجون الحراسة المشددة (Maximum Security). الغريب في الأمر أن السجن يقع وسط بلدة صغيرة يسكنها حوالي خمسة آلاف نسمة، وهو ما يثير الاستغراب عادةً لأن هذه السجون تكون في أماكن منعزلة.

يُعد سجن دانيمورا شديد التحصين، فهو محاط بـجدار يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار، ويكاد يكون تسلقه مستحيلًا. الأدهى من ذلك أن سمك هذا الجدار يصل إلى مترين، وهو مبني من الخرسانة المسلحة بالحديد، مما يجعل الحفر فيه أو اختراقه أمرًا مستحيلًا. تنتشر أبراج المراقبة على طول الجدار، ويعتليها حراس مسلحون على مدار 24 ساعة. وما يزيد من تحصين السجن هو أن جدرانه مبنية على صخور الجبل مباشرة، مما يجعل حفر نفق تحته مستحيلاً، وهذا يعني حرفيًا أن “لا مخرج من هذا السجن إلا من الأبواب”.

السجينان الرئيسيان في القصة هما:

  • ريتشارد مات (Richard Matt): قاتل محكوم عليه بالسجن مدى الحياة، ويلقب بـ”المنشار” لأنه استخدم منشارًا لتقطيع جثة ضحية. ارتكب جريمة اختطاف وقتل رئيسه في العمل عام 1997، وبعدها فر إلى المكسيك حيث ارتكب جريمة قتل أخرى قبل أن يُقبض عليه ويُسلم إلى أمريكا. ظل في سجن دانيمورا لمدة سبع سنوات، وكان عازمًا على الهروب. كان ريتشارد يتمتع بقدرة عالية على التلاعب بالناس وإقناعهم.
  • ديفيد سويت (David Sweat): كان جارًا لريتشارد في الزنزانة المجاورة. يُعتبر المهندس وراء عملية الهروب بفضل مهاراته الفنية التي اكتسبها من عمله داخل السجن في مجالات الكهرباء والنجارة والحدادة وغيرها. كانت أكبر جريمة ارتكبها هي قتل مأمور شرطة. ظل ديفيد في السجن لمدة عشر سنوات قبل الهروب.

توطدت العلاقة بين ريتشارد وديفيد، وبدأ ريتشارد يفتح لديفيد موضوع الهروب، وشرع الاثنان في التفكير في خطة.

خطوات خطة الهروب ومحاولاتهما:

  1. الخطة الأولية وفشلها (فتح الأبواب وتسلق الجدار):
    • كانت الخطة الأولية هي فتح أبواب زنازينهما، ثم الخروج إلى الساحة الخارجية الغربية والوصول إلى الجدار لتسلقه من أبعد نقطة عن أبراج الحراس.
    • المشكلة الأولى كانت في كيفية فتح أبواب الزنازين، والتي كانت مزودة بأقفال تحتاج إلى مفك براغي خاص برأس سداسي. لم يكن لديهما أي أدوات من هذا النوع.
    • دور جويس ميتشل (Joyce Mitchell): قرر ريتشارد استهداف مشرفة ورشة الخياطة في السجن، امرأة في أواخر الأربعينات تُدعى جويس ميتشل، والتي كانت تعيش زواجًا غير سعيد. بدأ ريتشارد يتقرب منها ويتلاعب بها عاطفياً، موهمًا إياها بالحب.
    • بدأ ريتشارد بطلب أشياء بسيطة منها، مثل نظارة للقراءة الليلية. ثم طلب منها صورًا فاضحة لها، والتي استغرق إقناعها بها وقتًا وجهدًا لكنه نجح.
    • بعد أن أصبحت الصور بحوزته، استخدمها كوسيلة ضغط للتحكم بها. طلب منها رأس مفك البراغي السداسي.
    • تهريب رأس المفك: أعطت جويس رأس المفك الصغير لريتشارد في الورشة. لتجاوز تفتيش الحراس وأجهزة كشف المعادن عند الخروج من الورشة، وضع ريتشارد رأس المفك داخل سماعة رأس مفرغة كان مسموحًا للسجناء بامتلاكها.
    • الفشل الأول: عند وصول رأس المفك للزنزانة، حاول ديفيد استخدامه لعدة أيام، لكن البراغي لم تتحرك أبدًا، مما دفعهم لإدراك أن هذه الخطة فاشلة.
  2. الخطة البديلة (فتحات التهوية والأنفاق):
    • لم يستسلما، وبدأا بالتفكير في طريقة بديلة. خطرت لهما فكرة فتحات التهوية الموجودة في الجدار الخلفي للزنازين.
    • كان ديفيد يعرف أنه لو تمكن من فتح فتحة التهوية، سيدخل إلى ما يُعرف بـ**”الممر الخلفي” أو “ممر القطط”**، وهو ممر أو نفق يمتد خلف الزنازين وتمر من خلاله أنابيب التهوية والتوصيلات الكهربائية. كان ديفيد قد دخل هذا الممر عدة مرات لإجراء أعمال صيانة سابقة.
    • الحاجة لمناشير معدنية: لدخول هذا الممر، كانا يحتاجان أداة لقطع إطار فتحة التهوية. مرة أخرى، توجهت أنظار ريتشارد إلى جويس، وطلب منها مناشير معدنية صغيرة تُستخدم لقطع الحديد.
    • تهريب المناشير: لم تكن المناشير صغيرة بما يكفي لتُخبأ داخل سماعة الرأس. هنا، لجأ ريتشارد إلى حليفه الثاني، وهو الحارس دين بالمر (Gene Palmer)، الذي كان مشرفًا على الحراسة في تلك المنطقة من السجن. كانت بين ريتشارد وجين علاقة غير رسمية؛ ريتشارد كان يُبقي المنطقة هادئة، وفي المقابل، كان جين يسمح له ببعض الامتيازات.
    • طلب ريتشارد من جويس أن تضع المناشير في ورشة الخياطة. ثم أخذها ريتشارد وخبأها على صدره داخل الحمام. تظاهر بعد ذلك بأنه يعاني من ألم في البطن، ورافقته الحارس جين إلى زنزانته دون تفتيش أو المرور على جهاز كشف المعادن، ظنًا منه أنه يساعد صديقًا مريضًا، ولم يكن يعلم أنه يهرب مناشير.
    • الحفر في فتحات التهوية: بدأ ريتشارد وديفيد يحفران في إطار فتحات التهوية باستخدام المناشير. كانا يعملان في الأوقات التي يرتفع فيها الضجيج داخل السجن، مثل أوقات تشغيل التلفزيون أو اللعب.
    • بعد ثلاثة أسابيع، تمكن ديفيد من إزالة غلاف فتحة التهوية بالكامل.
    • دخول ممر القطط والأنفاق الأرضية: قبل دخول ديفيد إلى الممر الخلفي، وضع ملابس تحت لحافه ليعطي مظهرًا وكأنه نائم في السرير، وهو أمر كان مسموحًا به في سجون نيويورك. كان ريتشارد يراقب المكان.
    • بعد عد السجناء الأخير وانطفاء الأضواء، خرج ديفيد من فتحة التهوية وزحف في ممر القطط حتى وصل إلى سلم ينزل إلى الأنفاق الأرضية. هذه الأنفاق كانت شبكة ضخمة تحت السجن تمر من خلالها أنابيب البخار والمياه وغيرها.
    • قضى ديفيد عدة ليالٍ يستكشف هذه الأنفاق الواسعة، والتي كانت مفتوحة على بعضها دون حواجز، لكنه سرعان ما أدرك أنها شبكة مغلقة ولا تؤدي إلى الخارج.
    • بعد حوالي أسبوع، تمكن ريتشارد أيضًا من إزالة غلاف فتحة التهوية الخاصة به. لكنهما اتفقا على أن ديفيد هو من سيستمر في استكشاف الأنفاق لأنه كان أخف وزنًا.
    • الوصول إلى أنابيب محطة الطاقة: بعد تفكير طويل، خطرت لهما فكرة محطة توليد الطاقة التي تبعد حوالي 200 متر خارج أسوار السجن، والتي كانت تمد السجن بالطاقة والبخار. إذا تمكن ديفيد من العثور على أنابيب تؤدي إلى هذه المحطة، فربما تكون مخرجًا.
    • ظل ديفيد يستكشف الأنفاق ليالٍ إضافية حتى عثر على أنابيب بخار كبيرة مكتوب على أحدها “In” (داخل) والآخر “Out” (خارج). تبع أنبوب “Out” الذي كان يخرج البخار من السجن إلى محطة الطاقة.
    • الوصول إلى جدار عادي: ظل ديفيد يتبع الأنابيب حتى وصل إلى جدار. لحسن الحظ، لم يكن هذا هو جدار السجن الخارجي السميك، بل كان جدارًا عاديًا، مما يعني أن السجن لم يهتم بتحصين جدران الأنفاق السفلية.
    • بدأ ديفيد في الحفر في الجدار باستخدام مناشير الحديد، وكانت العملية بطيئة جدًا.
    • اكتشاف صندوق الأدوات الأحمر: بعد حوالي شهر من الحفر، وفي إحدى الليالي، عثر ديفيد على صندوق أدوات أحمر تابع لعمال الصيانة الذين يعملون داخل الأنفاق. كان الصندوق يحتوي على جميع أنواع الأدوات التي كانا يحلمان بها. هذا الاكتشاف سرّع من عملية اختراق الجدار بشكل كبير.
    • الوصول إلى الجدار الخارجي السميك: بعد أسبوعين من الحفر بالاستعانة بالأدوات الجديدة، تمكن ديفيد أخيرًا من فتح فتحة واسعة في الجدار. لكن فرحته تحولت إلى صدمة عندما أدرك أنه لم يكن الجدار الأخير؛ فقد وجد أمامه امتدادًا للجدار الخارجي الضخم الذي يبلغ سمكه مترين. كان هذا انتكاسة كبرى، لكنهما قررا مواصلة الحفر مهما استغرق الأمر.
    • الحاجة لرؤوس حفر (Drill bits): بعد العثور على صندوق الأدوات الأحمر، والذي احتوى على المثقب، كانا بحاجة إلى رؤوس حفر لكسر الجدار الخارجي.
    • تواصل ريتشارد مرة أخرى مع جويس، التي كانت تعتبر نفسها شريكة في العملية ووافقت على تهريبهما بسيارتها والتوجه معهما إلى المكسيك.
    • تهريب رؤوس الحفر: طلب ريتشارد من جويس أن تحضر رؤوس الحفر وتضعها داخل لحم بقر نيء مجمد. ثم سلمت جويس اللحم للحارس جين بالمر، الذي قام بتوصيله إلى ريتشارد، دون أن يعلم أنه يهرب أدوات الهروب.
    • اختفاء صندوق الأدوات: في الليلة التي كان ديفيد متحمسًا فيها لبدء الحفر الفعلي، اكتشف أن صندوق الأدوات الأحمر لم يعد موجودًا في مكانه المعتاد. الشيء الوحيد الذي بقي هو المثقب (الذي لم يكن داخل الصندوق).
  3. الخطة النهائية (أنبوب البخار):
    • على الرغم من الإحباط، واصلا الحفر في الجدار باستخدام المطرقة.
    • اكتشاف أنبوب البخار كحل: في 4 مايو 2015، حدث تحول عظيم. لاحظ ديفيد أن أنبوب البخار الحار المجاور لهما لم يعد ساخنًا. أدرك أن السجن أوقف البخار الساخن المستخدم للتدفئة لدخول فصل الصيف.
    • كان هذا الأنبوب كبيرًا وواسعًا بما يكفي ليتمكن ديفيد من المرور من خلاله، وربما يكون ضيقًا بعض الشيء على ريتشارد. هذا الأنبوب كان الوسيلة للخروج، حيث كان يعبر من خلال الجدار الخارجي السميك.
    • بدأ ريتشارد نظامًا غذائيًا قاسيًا جدًا لخفض وزنه وليتمكن من المرور عبر الأنبوب، وكان يعاني من رهاب الأماكن المغلقة.
    • بدأ ديفيد بقطع فتحة في الأنبوب باستخدام مناشير الحديد، ثم قطع فتحة أخرى من داخل الأنبوب بعد تجاوز الجدار. استغرقت هذه العملية ثلاثة أسابيع.
    • الوصول إلى نظام الصرف الصحي: خرج ديفيد من الأنبوب ووجد نفسه في نفق جديد. من خلال الرائحة، أدرك أنه وصل إلى نظام الصرف الصحي للمدينة (المجاري).
    • بعد قليل، عثر على سلم يقود إلى فتحة مجاري، ومنها خرج إلى شوارع وبيوت البلدة. عاد ديفيد لإبلاغ ريتشارد بالنجاح.

عملية الهروب (6 يونيو 2015):

  • في ليلة 6 يونيو 2015، غادر الاثنان زنازينهما بعد أن وضعا ملابس وبطانيات لتبدو كأنهما نائمان.
  • شقا طريقهما عبر الأنفاق حتى وصلا إلى أنبوب البخار.
  • عانى ريتشارد بصعوبة بالغة عند محاولته المرور عبر الأنبوب بسبب حجمه ورهاب الأماكن المغلقة، لكن ديفيد سحبه وساعده.
  • خيانة جويس ميتشل: بعد خروجهما من فتحة المجاري، لم يجدا جويس ميتشل بانتظارهما بسيارتها. لم يكونا يعلمان أنها أُصيبت بنوبة هلع وتم نقلها إلى المستشفى.
  • بعد انتظار حوالي ربع ساعة، قررا أنه لا وقت لديهما للتضييع، فبدأا بالهروب سيرًا على الأقدام، حيث لم يكن يتبقى سوى خمس ساعات ونصف على عد السجناء الصباحي.

المطاردة والقبض:

  • في الساعة 5:30 فجرًا، اكتشف الحراس غياب ريتشارد وديفيد من زنازينهما، وصدموا باكتشاف الفتحات في الجدران.
  • انطلقت أصوات الإنذار، وتم إبلاغ الشرطة والأجهزة الأمنية. كانت استجابة أجهزة الأمن غير مسبوقة في ولاية نيويورك، حيث شارك في عملية البحث الضخمة أكثر من 1500 ضابط أمن من الشرطة وقوات الغابات ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI). كما حضر حاكم ولاية نيويورك بنفسه لتفقد المكان.
  • ظل ريتشارد وديفيد مختبئين في الغابات. في نقطة ما، قررا الانفصال عن بعضهما لجعل عملية القبض عليهما أصعب.
  • القبض على ريتشارد مات: بعد 21 يومًا من البحث، وتحديدًا في 26 يونيو 2015، عُثر على ريتشارد على بعد 80 كيلومترًا من السجن. عندما حاصرته الشرطة، رفع مسدسًا، فأطلقوا عليه النار وقتلوه. تبين لاحقًا أن المسدس كان فارغًا من الرصاص، مما يوحي بأنه فضل الموت على العودة إلى السجن.
  • القبض على ديفيد سويت: بعد يومين، في 28 يونيو 2015، عُثر على ديفيد بينما كان يحاول عبور الحدود الأمريكية الكندية. عندما أمره ضابط الحدود بالتوقف، رفض وحاول الركض، فأطلق الضابط النار عليه وأصابه في ساقه، وتم القبض عليه.

النتائج والعقوبات:

  • انتهت عملية المطاردة التي استمرت 23 يومًا بمقتل ريتشارد مات واعتقال ديفيد سويت.
  • اعترف ديفيد سويت بكل تفاصيل العملية.
  • ديفيد سويت: أُضيف حكم مؤبد إضافي إلى حكمه السابق، ولا يزال في السجن حتى اليوم.
  • جويس ميتشل: حُكم عليها بدفع غرامة 86 ألف دولار، وحُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات.
  • الحارس دين بالمر: حُكم عليه بدفع غرامة 5 آلاف دولار، وحُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، لأنه لم يكن يعلم أنه يساعد في عملية الهروب، لكنه خالف القوانين بتهريبه لأشياء ممنوعة.

الفيديو الكامل : هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top