المزور الذكي الذي حير الكازينوهات وسرق الملايين

تدور القصة في لاس فيغاس، مدينة المتعة والفساد وعاصمة القمار في أمريكا، التي تضم أضخم الكازينوهات في العالم. هذه الكازينوهات لديها أنظمة مراقبة وأمن معقدة، تتفوق أحيانًا على الحكومات والبنوك، وهدفها الأساسي هو منع الغش وضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. على الرغم من أن القمار يُعد من كبائر المحرمات في الإسلام، وصناعة القمار ترتبط بالشر المطلق وتدمير حياة الناس، إلا أن قصة موريكاوا تجعل المرء يشعر بالرغبة في تشجيعه لأنه سرق من “اللصوص”.

انتقال إريك موريكاوا إلى لاس فيغاس وبداية القصة: في عام 2000، انتقل إريك موريكاوا، وهو أمريكي من أصول يابانية، إلى لاس فيغاس ليس بهدف القمار، بل للعمل في مجال البناء. كانت المدينة تشهد توسعاً عمرانياً سريعاً، مما وفر فرصاً كبيرة في هذا المجال. أسس موريكاوا شركة مقاولات صغيرة خاصة به وبدأ بتوظيف العمال.

التعرف على جيرمي لويس وتفاقم الأوضاع المادية: في إحدى الأيام، التقى موريكاوا بشخص يدعى جيرمي لويس في صالة ألعاب. كان جيرمي يبحث عن عمل، لكن سجله الإجرامي الذي يضم تهم مخدرات وتزوير كان عائقاً أمامه. شعر موريكاوا بالدافع لمساعدته وقام بتوظيفه في شركته، وسرعان ما توطدت علاقتهما وأصبحا صديقين مقربين. استمرا في العمل معاً لعدة سنوات إلى أن حلت سنة 2004، حيث انهار مجال البناء والعقارات في لاس فيغاس. عانت شركة موريكاوا بشدة، وتراكمت عليهم الديون، وأجبروا على البحث عن عمل في أماكن بعيدة.

فكرة التزوير الخبيثة: بينما كان موريكاوا وجيرمي عائدين من العمل، شاهدا لوحة إعلانية لكازينو تعرض رقاقة بقيمة 5000 دولار. سأل موريكاوا جيرمي إذا كان صنع رقاقة مماثلة سيكون صعباً. على الفور، ابتسم جيرمي، مستذكراً ماضيه في التزوير، وشجع موريكاوا الذي كان يتردد في البداية بسبب حياته المستقيمة. أقنع موريكاوا نفسه بأن الكازينوهات أشرار وتستحق السرقة، ومن هنا بدأت محاولاتهما لتزوير رقاقات الكازينو.

محاولات فاشلة ومحاولة ناجحة:

  • المحاولات الأولية الفاشلة: قاما بشراء رقاقات من كازينوهات مختلفة وفحصا مكوناتها: البلاستيك، الرمل، الطين، السيراميك، الأكريليك، ومعادن أرضية. اكتشفا أن تصنيع رقاقات مشابهة يتطلب آلات متخصصة تكلف الملايين ووزنيات دقيقة للمواد. على الرغم من محاولاتهما استخدام آلات رخيصة وتعديل الوزن والإحساس في اليد ليطابق الرقاقات الأصلية، إلا أنهم فشلوا في تقليد الصوت البلاستيكي المميز للرقاقة الأصلية، وكانت رقاقاتهم المزيفة تصدر صوتاً ثقيلاً.
  • الفكرة الجديدة والنجاح: بعد اليأس من صناعة رقاقات من الصفر، جاءت موريكاوا فكرة أخرى: تعديل رقاقات الكازينو ذات القيمة المنخفضة (مثل 1 دولار) وتحويلها إلى رقاقات ذات قيمة أعلى (مثل 100 دولار). ركزوا دراستهم على رقاقات كازينو “جرين رانش”.
    • خطوات عملية التزوير (التقليد المتقن):
      1. إزالة الرقم الأصلي: وضع الرقاقة في ماء مغلي لإزالة الدائرة البلاستيكية اللامعة التي تحمل القيمة.
      2. تقليد الألوان الأساسية: استخدام الدهانات والبخاخات لصبغ الرقاقة باللون الرمادي الأساسي لرقاقة الـ 100 دولار، مع التأكد من مطابقة درجة اللون واللمعان تحت إضاءات مختلفة.
      3. تقليد الخطوط الجانبية: تغطية الأماكن غير المرغوب بصبغها بشريط لاصق ورش الصبغ لتقليد الخطوط السوداء على الجوانب.
      4. تقليد الدائرة الداخلية (القيمة): استخدام ماسح ضوئي لنسخ تصميم دائرة الـ 100 دولار، ثم طباعتها على ورق بلاستيكي لامع وأثخن من العادي، ولصقها بالغراء.
      5. علامة الحماية الخفية (الأشعة فوق البنفسجية): استخدام قلم حبر خفي لرسم رمز يشبه القبعة (علامة الحماية في الرقاقات الأصلية) يظهر تحت الأشعة فوق البنفسجية.
    • النجاح الأول: صنعوا ثلاث رقاقات مزيفة بقيمة 100 دولار. ذهب جيرمي إلى كازينو جرين رانش، وبكل ثقة سلم الرقاقات للصراف، الذي فحصها بسرعة وأعطاه 300 دولار نقداً. كان موريكاوا ينتظر متوتراً في السيارة، وعاد جيرمي مبتهجاً بالنجاح.

توسيع العمليات والتحولات في حياتهما:

  • تصنيع مكثف: بعد النجاح الأول، عادوا إلى ورشة موريكاوا (في كراج منزله) وبدأوا في تصنيع المزيد من الرقاقات، حيث استغرق صنع الواحدة 10 دقائق فقط.
  • تنويع الكازينوهات المستهدفة: قاموا بتزوير رقاقات تابعة لـ ثمانية من أكبر الكازينوهات في لاس فيغاس. كانت العملية تتطلب مطابقة ألوان وأشكال خطوط مختلفة، وأحياناً تفاصيل إضافية مثل الجليتر.
  • تكتيكات ذكية لتجنب الشكوك:
    • بدأوا باستخدام الرقاقات المزيفة في ألعاب القمار (مثل البلاك جاك والبوكر) قبل صرفها، لتقليل الشكوك.
    • كانوا يشترون رقاقات حقيقية من موزعي الطاولات داخل الكازينو، ثم يذهبون إلى سيارتهم خارج الكازينو، يبدلون الرقاقات الحقيقية بالمزيفة التي صنعوها، ويعودون لصرف المزيفة. هذا التكتيك سمح لهم بالادعاء بأنهم اشتروا الرقاقات من الطاولة إذا انكشف أمرهم.
  • تراكم الثروة وتغير نمط الحياة: تدفقت الأموال إلى جيوبهما. أصبحوا يزورون رقاقات بقيمة آلاف الدولارات يومياً، بما في ذلك فئات 500 و1000 دولار.
    • موريكاوا: تغير نمط حياة عائلته إلى الرفاهية، لكن زوجته بدأت تشك في مصدر الأموال، بينما ادعى موريكاوا أنها من عقود بناء مربحة.
    • جيرمي: انغمس جيرمي في الشهوات بشكل كامل، مستأجراً أجنحة فندقية فارهة (مثل جناح بقيمة 1000 دولار في فندق ريفيرا عام 2005)، ومارس كل أنواع الفسق من مخدرات وخمور وحفلات، مما أثر على صحته.

الابتزاز والخيانة والاعتقال الأول:

  • خطأ جيرمي الفادح: سمع موريكاوا جيرمي يتجادل بصوت عالٍ على الهاتف مع امرأة. اعترف جيرمي لموريكاوا بأنه أخبرها عن نشاطهم في تزوير الرقاقات لأنه أراد أن يثير إعجابها، والآن أصبحت تبتزه وتهددهم بفضحهم للشرطة.
  • دفع فدية: اضطر موريكاوا وجيرمي لدفع حوالي 10 آلاف دولار للمرأة. لكنها عادت بعد أيام قليلة لتبتزهم مرة أخرى وتطلب مبلغاً أكبر، مما دفع موريكاوا للتصرف بحزم وإبلاغها بأن هذا هو آخر مبلغ سيدفعونه.
  • الخيانة والاعتقال: في 1 أبريل 2005، دُهم منزل موريكاوا من قبل عملاء من مجلس مراقبة الألعاب (Gaming Control Board)، وهي هيئة حكومية أمنية متخصصة بقضايا القمار. تبين أن المرأة التي ابتزتهما هي من أبلغت عنهم للانتقام. تم تعقب موريكاوا وجيرمي عبر كاميرات المراقبة في الكازينوهات، وتم تأكيد تزوير الرقاقات.
  • صدمة السلطات وجودة التزوير: تم اعتقال موريكاوا وتفتيش منزله وورشته، حيث عثر على كل الأدلة. صُدم العملاء بضخامة العملية والجودة العالية للرقاقات المزيفة، التي كان بعضها مستحيلاً التمييز بينها وبين الأصلية. قدرت السلطات أن عاملين بناء قد عرضا صناعة القمار التي تقدر بمليارات الدولارات للخطر.

الكفالة الباهظة والسجن:

  • كفالة 5 ملايين دولار: بعد ثلاثة أيام من الاعتقال، مثل موريكاوا وجيرمي أمام القاضي، الذي حدد لهما كفالة باهظة بقيمة 5 ملايين دولار. هذا المبلغ الجنوني (الذي لم يبلغه حتى أخطر المجرمين) عكس مدى قوة صناعة القمار ونفوذها في المدينة.
  • الاحتجاز في سجن مشدد: نظراً لعدم قدرتهما على دفع الكفالة، تم إيداع موريكاوا وجيرمي في سجن مشدد الحراسة، وعوملا كمجرمين خطرين.
  • الشهرة في السجن ولقاء رجل العصابات الروسي: أصبحت قصة كفالتهما الضخمة حديث السجناء، مما جعلهما مشهورين. تعرف موريكاوا على رجل عصابات روسي كانت كفالته أعلى منهم، وبدأ يتبادل الحديث معه عن قصتهما في التزوير. أبدى الروسي إعجابه بفكرة موريكاوا وعرض عليه الدخول في عمل تجاري معاً بعد خروجهما.

الإفراج بكفالة واليأس المالي والعودة للتزوير مع العصابة الروسية:

  • المحامي القوي: عين موريكاوا محامياً قوياً متخصصاً في الدفاع عن المجرمين. تمكن المحامي من تخفيض كفالة موريكاوا من 5 ملايين دولار إلى 12 ألف دولار فقط، نظراً لسجله النظيف. دفع موريكاوا المبلغ وخرج من السجن، بينما بقي جيرمي في السجن بسبب سجله الإجرامي ومذكرة اعتقال أخرى.
  • ضائقة مالية جديدة: واجه موريكاوا ضائقة مالية شديدة، فتراكمت عليه الديون ومصاريف المحامي الباهظة، ولم يجد مصدراً جديداً للدخل.
  • الاتفاق مع الروسي: في عام 2006، وبعد أشهر من اليأس، تواصل موريكاوا مع رجل العصابات الروسي الذي تعرف عليه في السجن. اتفقا على أن يدرب موريكاوا الروسي ورجاله على كيفية تزوير الرقاقات، وسيقومون هم بتنفيذ العملية في الكازينوهات. مقابل تدريبه، سيحصل موريكاوا على حصة 25% من الأرباح. كان موريكاوا حذراً في تحركاته، لكنه كان يعلم أنها مخاطرة كبيرة.

الاعتقال الثاني والحكم:

  • جودة منخفضة للتقليد الروسي: بدأ أفراد العصابة الروسية عملياتهم، لكن الرقاقات المزيفة التي صنعوها لم تكن بنفس مستوى إتقان موريكاوا.
  • اكتشاف التزوير: لاحظ أحد موظفي الكازينو الفارق في رقاقاتهم، مما أدى إلى إبلاغ المسؤولين وبدء تحقيق جديد من قبل مجلس مراقبة الألعاب.
  • تعقب العصابة واعتقال موريكاوا مجدداً: تمكن العملاء من تحديد هوية أفراد العصابة الروسية وتعقب تحركاتهم. اكتشفوا أنهم كانوا يزورون منزل موريكاوا (حيث كان يدربهم أحياناً في كراجه). دُهم منزل موريكاوا، وتم القبض عليه هو وأفراد العصابة متلبسين في الكراج، وتم العثور على جميع الأدوات والأصبغة.
  • الحكم المخفف: اعتقد موريكاوا أن حياته قد انتهت، لكن محاميه القوي دافع عنه ببراعة. على الرغم من إقراره بالذنب في ست تهم، إلا أن المحامي تمكن من حصوله على حكم مخفف: خمس سنوات تحت المراقبة مع الخدمة المجتمعية، بدون دخول السجن.
  • سبب تخفيف الحكم: السبب الرئيسي لتخفيف الحكم كان صعوبة إثبات الكمية الكاملة من الرقاقات التي زورها. لم يتمكنوا من إثبات سوى 36 ألف دولار من الرقاقات المزيفة، بينما يدعي موريكاوا أنه زور رقاقات بقيمة تجاوزت المليون دولار. إن براعته في التزوير وجودة تقليده جعلت العديد من الرقاقات المزيفة تختلط بالأصلية في الكازينوهات لدرجة يصعب تمييزها. حكم عليه أيضاً بإعادة مبلغ الـ 36 ألف دولار.
  • النهاية: يقول موريكاوا إنه تاب ولن يعود إلى هذا الطريق مرة أخرى، مؤكداً أن المال السهل لا يستحق المخاطرة بالحياة. أما جيرمي، فقد قضى عدة سنوات في السجن بناءً على قضاياه السابقة وتم إطلاق سراحه.

تأثير قصة موريكاوا على صناعة الكازينوهات: كانت قضية موريكاوا بمثابة صفعة للكازينوهات. بعد هذه القضية، قامت جميع الكازينوهات الكبرى بإضافة شرائح إلكترونية صغيرة تسمى RFID (تعريف الترددات الراديوية) داخل كل رقاقة. هذه الشرائح تحدد قيمة الرقاقة ونوعها، ويمكن حتى تتبع موقعها داخل الكازينو. يتم استخدام ماسحات راديو مخصصة (scanners) على طاولات اللعب وعند الصرافين للكشف عن هذه الشرائح. هذا التطور جعل من شبه المستحيل تزوير الرقاقات اليوم، لأن الأجهزة ستكشف على الفور القيمة الفعلية للرقاقة بغض النظر عن مظهرها الخارجي.

رابط الفيديو : هنا

1 فكرة عن “المزور الذكي الذي حير الكازينوهات وسرق الملايين”

  1. Pingback: هربوا بعبقرية لا مثيل لها.. أضخم سرقة بنك في الأرجنتين - قرية العجب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top