أغرب سرقة بنك في اليابان ( ماصار مثلها في التاريخ)

تُعتبر هذه القضية واحدة من أغرب عمليات السطو على بنك في تاريخ اليابان، حيث لم تكن سرقة مسلحة، ولا اختطاف رهائن، ولا نفقاً تحت الأرض، بل طريقة فريدة من نوعها لم تحدث من قبل. القصة أعمق من مجرد سرقة بنك.

خلفية الأحداث والظروف المحيطة بالجريمة:

وقعت أحداث القصة في عام 1948 في اليابان. في ذلك الوقت، كانت اليابان قد خرجت للتو من الحرب العالمية الثانية، التي انتهت باستسلامها في عام 1945 بعد قصف هيروشيما وناغازاكي، وتولت القوات الأمريكية إدارة البلاد. عانت اليابان من مجاعة وتشرد وأمراض، وبدأت أوضاعها تتحسن ببطء في ظل الإدارة الأمريكية.

تفاصيل الجريمة في بنك تيكوكو (بنك اليا):

  • التاريخ والمكان: في 26 يناير 1948، دخل رجل إلى فرع صغير لبنك تيكوكو الإمبراطوري في منطقة شين ماتشي.
  • عدد الموظفين: كان في البنك 21 موظفاً، لكن بسبب المرض غاب سبعة منهم، بينهم المدير، فبقي 14 موظفاً، بالإضافة إلى زوجة وابنة أحد الموظفين، ليصبح العدد 16.
  • وصف الجاني: كان يرتدي جاكيتاً بنياً طويلاً، وشارة على ذراعه كُتب عليها أنه موظف في وزارة الصحة، ما أوحى بأنه رسمي.
  • الخداع والتسميم:
    • قدم نفسه على أنه “طبيب أوبئة” وأخبرهم أن بئر ماء محلي قد ينشر مرض الزحار.
    • قال إن عليه إعطاؤهم دواء وقائي بأمر من السلطات الأمريكية.
    • تردد نائب المدير، لكنه وافق بعد ذكر اسم السلطات الأمريكية.
    • صب الطبيب “الدواء” في 17 كوباً صغيراً، شرب هو منها أولاً أمامهم.
    • بعد شربهم، بدأ بمراقبتهم وساعته بطريقة مريبة.

السرقة والنتائج المأساوية:

  • بدأ بعض الموظفين يشعرون بحرقة في الحلق، فقال لهم الطبيب إن هذا طبيعي.
  • أثناء انشغالهم بالذهاب إلى الحمام، سرق الطبيب ما يقارب 160,000 ين نقداً وشيكاً بـ 17,000 ين.
  • بعد دقائق، بدأ الموظفون يتساقطون الواحد تلو الآخر.
  • غادر الطبيب البنك خلال ربع ساعة، تاركاً وراءه عشر جثث، بينها طفلة عمرها ثماني سنوات.
  • نجا أربعة فقط، لكن اثنين منهم توفيا لاحقاً، فبقي أربعة ناجين فقط.

التحقيقات الأولية والتحديات:

  • كانت أوصاف الجاني غامضة، إذ لم يكن له ملامح مميزة، وكان عمره يقدّر بين 40 و50 عاماً.
  • ترك مبالغ كبيرة لم يسرقها، مما أثار تساؤلات.
  • شرب من نفس “الدواء” دون أن يتأثر.
  • لم تُعثر الشرطة على بطاقة العمل التي قدّمها، ما يدل على أنه استعادها.
  • صُرف الشيك المسروق باسم مزيف في بنك آخر، مما جعل المسار مسدوداً.

اكتشاف حوادث مشابهة وتجارب سابقة:

  • اكتشفت الشرطة حالتين سابقتين حاول فيهما شخص يرتدي نفس اللباس أن يفعل الشيء نفسه.
  • في أكتوبر 1947 دخل بنك سودو، أعطى “الدواء”، لكنه لم يكن ساماً.
  • في يناير 1948 دخل بنك طوكيو، وادعى نفس الادعاء، لكنه غادر حين بدأ المدير يشك فيه.
  • في كلتا الحالتين، أعطى بطاقات عمل، إحداها باسم مزيف، والأخرى باسم دكتور حقيقي.

الوصول إلى المشتبه به الرئيسي:

  • استُدعي الدكتور الحقيقي وأثبت براءته. كان يكتب على بطاقاته الوقت والمكان، مما ساعد الشرطة في تتبع من استلمها.
  • بقي ثمانية مشتبه بهم، أحدهم كان رساماً وأستاذ فنون يدعى ساداميتشي هيراساوا.
  • اعتُقل سابقاً في قضايا شيكات مزورة، وأودع مبلغاً مشابهاً للمسروق في حسابه بعد الحادثة، ورفض الكشف عن مصدره.

التحقيق مع هيراساوا والاعتراف المزعوم:

  • عُرض على 11 شاهداً، ستة قالوا إنه ليس الجاني، والخمسة الآخرون لم يكونوا متأكدين.
  • أنكر التهم، لكن بعد تحقيق قاسٍ وتعذيب نفسي وجسدي، حاول الانتحار ثلاث مرات.
  • بعد الضغوط، قدم اعترافاً شفهياً ثم كتابياً، ثم عاد لينكر كل شيء، مؤكداً أن الاعترافات انتُزعت بالقوة.

تحليل السم ودور الوحدة 731:

  • جامعة طوكيو قالت إن السم هو سيانيد البوتاسيوم، سريع المفعول.
  • جامعة كيو قالت إنه أسيتون سيانوهيدرين، وهو مركب نادر بطيء التأثير، ويتوافق مع وصف الضحايا.
  • هذا المركب كان يُستخدم في تجارب الوحدة 731، وهي وحدة عسكرية سرية نفذت تجارب على البشر خلال الحرب.
  • يُعتقد أن المجرم كان على صلة بهذه الوحدة. وتكتم السلطات اليابانية والأمريكية على هذه الحقيقة زاد من الغموض.

المحاكمة والحكم والمصير الغامض:

  • دُفعت عدة تفسيرات لتبرئة هيراساوا، منها إصابته بمرض عصبي بعد عضة كلب قديم، وبيعه سراً لرسومات إباحية.
  • رغم ضعف الأدلة واعتمادية المحكمة على الاعتراف فقط، حُكم عليه بالإعدام في يوليو 1950.
  • الغريب أنه لم يُعدم قط، وبقي في السجن أكثر من 40 عاماً، وهو رقم قياسي.
  • رفض جميع وزراء العدل المتعاقبين التوقيع على تنفيذ الحكم، ما يعكس شكوكاً قوية حول إدانته.
  • رفضت كل طلباته للاستئناف، وظل يرسم داخل السجن حتى وفاته عام 1987 عن عمر 95 عاماً.

لغز القضية الذي لم يُحل:

رغم إغلاق الملف رسمياً، لا تزال القضية تثير الجدل حتى اليوم. هناك عدة نظريات:

  • أن الفاعل الحقيقي كان عنصراً سابقاً في الوحدة 731.
  • أن الحكومة اليابانية لفّقت التهمة لهيراساوا لإخفاء دور الوحدة.
  • أن الحادثة كانت تجربة أمريكية باستخدام معرفة الوحدة 731.
  • أن المجرم كان جزءاً من منظمة إجرامية اختبرت الطريقة في حوادث سابقة.

تبقى القضية لغزاً غامضاً في التاريخ الجنائي الياباني، وتشكل نموذجاً صارخاً على الإخفاق القضائي والإنساني.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top