اقتحام بذكاء لا يصدق أضخم سرقة متحف في التاريخ

في عام 1990، وقعت أضخم سرقة متحف في التاريخ، حيث سرق اللصوص لوحات وقطعًا فنية تُقدر قيمتها بحوالي 500 مليون دولار. كانت طريقة الاقتحام ذكية جدًا، فقد جعلوا الحراس يفتحون لهم الباب بأنفسهم.

المتحف المستهدف:

  • المتحف هو جاردنر في بوسطن، أمريكا، وهو أحد أقدم المتاحف الفنية في البلاد.
  • تأسس عام 1903 على يد السيدة الثرية إيزابيلا ستيوارت جاردنر، التي أوصت بألا يتغير شكل المتحف كثيرًا. وإذا تم تغييره، فيجب نقل جميع القطع الفنية إلى باريس وبيعها، وتذهب عائداتها إلى جامعة.
  • بسبب وصيتها، حافظ المبنى على شكله لأكثر من قرن، ولم تتم فيه تغييرات كبيرة.
  • كونه مبنى قديم، لم يكن يمتلك معايير الأمان العالية للمتاحف الحديثة، لكن الإدارة زودته بجميع وسائل الأمان الممكنة من كاميرات مراقبة وأنظمة إنذار ومستشعرات حركة.
  • المتحف يضم أكثر من 2500 قطعة فنية، تتراوح قيمتها بعشرات المليارات، مما جعله هدفًا جذابًا للصوص.

تفاصيل السرقة:

  • وقعت السرقة في 18 مارس 1990، وهو يوم القديس باتريك، حيث كان معظم سكان بوسطن يحتفلون في مركز المدينة.
  • كان المتحف بعيدًا عن الضوضاء، مما وفر بيئة هادئة للصوص.
  • كان هناك حارسان في المتحف تلك الليلة: ريتشارد أبث (23 عامًا) و راندي هيستان.
  • ريتشارد أبث، وفقًا لاعترافه، كان أحيانًا يأتي إلى العمل وهو سكران أو متعاطي، لكنه أصر على أنه كان بكامل وعيه تلك الليلة.
  • في الساعة الواحدة فجرًا، انطلق إنذار حريق من الطابق الثالث. ريتشارد طلب من راندي أن يتفقد الأمر، لكن راندي لم يجد شيئًا، فاعتقدوا أنه عطل في الإنذار.
  • بعد حوالي نصف ساعة (الواحدة والنصف فجرًا)، اقترب رجلان من المتحف من الباب الخلفي المخصص للموظفين. كان الرجلان يرتديان زي ضباط شرطة بوسطن.
  • طرقا الباب وقالوا إنهم شرطة بوسطن. عندما رأى ريتشارد الكاميرات، عرف أنهم شرطة.
  • أخبر الشرطي الحارس بأنهم جاءوا استجابة لبلاغ عن إنذار، وطلبوا منه فتح الباب لتفقد الوضع. رفض الحارس في البداية، متمسكًا بالتعليمات التي تمنعه من فتح الباب لأي شخص، حتى الشرطة. لكن الشرطيين أصرا حتى وافق الحارس وفتح لهم الباب.
  • بعد دخولهم، ذهب “الشرطيان” إلى طاولة المراقبة وأبعَدَا الحارس عنها، لأن زر الإنذار الوحيد المتصل بمركز الشرطة مباشرة كان موجودًا على هذه الطاولة.
  • أوهم أحد “الشرطيين” الحارس بأنه يعرفه، ثم طلب منه هويته. وبعد الاطلاع على الهوية، قال له إنك مطلوب، وقام الاثنان بتقييده بالأصفاد.
  • عندما نزل الحارس الثاني راندي، فوجئ بالمشهد. قام اللصوص بتقييده أيضًا، وأخبراه بأنهم لا يعتقلونهم بل “يسرقونهم”.
  • أخذ اللصوص الحارسين وقيدوهما في القبو، ولفوا رؤوسهما بلاصق قوي.
  • بعد ذلك، قام اللصوص بتوجيه الكاميرات بعيدًا عنهم، وعطلوا الطابعة التي تسجل بيانات مستشعرات الحركة وأجهزة الإنذار. نظام الأمان في المتحف كان متخلفًا؛ فالأجهزة ترسل إشارة إلى الطابعة، ويجب على الحارس أن يضغط الزر لإرسالها إلى مركز الشرطة.
  • دخل اللصوص إلى غرف المتحف وبدأوا في سرقة القطع الفنية.

المسروقات:

  • على الرغم من أن اللصوص سرقوا 13 قطعة فنية فقط، إلا أن قيمتها تجاوزت 500 مليون دولار.
  • شملت المسروقات 11 لوحة ومزهرية صينية ورأس سارية العلم النابليوني على شكل صقر.
  • الغريب أنهم لم يسرقوا أثمن اللوحات، ولم يفصلوا اللوحات عن إطاراتها بل قطعوها من الأطراف بسكين، مما أدى إلى تضررها بشكل كبير.
  • كما سرقوا رأس علم نابليوني ليس له قيمة كبيرة.

التحقيقات والنظريات:

  • في الصباح التالي، اكتشف الموظفون السرقة واتصلوا بالشرطة.
  • وجد المحققون الحارسين مقيدين في القبو.
  • كان الاقتحام ذكيًا (تنكر بزي الشرطة ومعرفة بأنظمة المتحف)، لكن عملية السرقة كانت “غبية” (عدم سرقة القطع الأثمن، إتلاف اللوحات).
  • استنتج المحققون أن اللصوص كانوا لصوصًا مأجورين، يملكون خبرة في السرقة لكن ليس في التعامل مع الفن.
  • لم يجد المحققون أي أثر، لا بصمات ولا خيوط. الخيط الوحيد كان شهادة الحراس.
  • بناءً على شهادة الحراس (خاصة راندي)، تم رسم اسكتشات تقريبية للصوص، أظهرت أن لديهما شوارب كبيرة (ربما مزيفة)، وبشرة بيضاء، وشعر أسود.
  • أحد النظريات الكبرى في القضية هي أن الحارس ريتشارد أبث كان جزءًا من العصابة.
    • ريتشارد كان معروفًا بأنه يأتي للعمل سكرانًا، لكنه كان بكامل وعيه ليلة السرقة، وهو ما أكدته تحاليل دمه.
    • اللصوص كانوا على دراية تامة بالتفاصيل الأمنية للمتحف، بما في ذلك موقع زر الإنذار المتصل بالشرطة، وطابعة المستشعرات، والكاميرات، وهي تفاصيل لا يعرفها إلا العاملون في المتحف.
    • ريتشارد هو من أدخلهم رغم أن تعليمات المتحف تمنع الحراس من إدخال أي شخص.
    • على الرغم من الشكوك، لم يتمكن المحققون من إثبات تورطه، وظلت مجرد نظرية.
  • توقعت الشرطة ثلاثة احتمالات لمصير الأعمال المسروقة:
    1. أن يكون وراء اللصوص زعيم عصابة أو رجل ثري جمع الأعمال الفنية لمجموعته الخاصة.
    2. أن يكون اللصوص يعملون لحسابهم الخاص ويبيعون الأعمال في السوق السوداء.
    3. أن يطلب اللصوص فدية من المتحف أو شركة التأمين.
  • المفاجأة كانت أن المتحف لم يكن لديه تأمين على أعماله الفنية بسبب ارتفاع تكاليف التأمين الجنونية في الثمانينات.
  • عرض المتحف جائزة قدرها مليون دولار (ارتفعت لاحقًا إلى 5 ملايين دولار في عام 1997) لأي معلومات تؤدي للعثور على القطع المسروقة.

تطورات القضية ودور الصحفي توم ماشبرغ:

  • تلقى المحققون اتصالًا من رجل ادعى معرفته بشخصين من العالم السفلي يشبهان الاسكتشات وكانا مختفيين منذ تاريخ السرقة.
  • عند تعقب هذين الشخصين، وجد أحدهما ميتًا في صندوق سيارته (طعنًا وتقييدًا)، والآخر ميتًا في المستشفى بنوبة قلبية مجهولة الأسباب. لم يكن هناك شبه قوي بينهما وبين الاسكتشات.
  • في عام 1997، بدأ الصحفي توم ماشبرغ في التحقيق بالقضية واهتم بها.
  • عرف عن سارق لوحات فنية كبير يدعى مايلز كونر، وأسلوب سرقاته كان مشابهًا لسرقة جاردنر.
  • اكتشف توم أن كونر كان مسجونًا وقت السرقة.
  • تابع توم البحث عن أصدقاء كونر، وتوصل إلى رجل يدعى ويليام يانغورث، وهو تاجر تحف صاحب سوابق وله أنشطة مشبوهة، وكان تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في قضايا أخرى (أسلحة ومخدرات).
  • كان لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي شكوك قوية بأن يانغورث كان يحتفظ ببعض الأعمال الفنية التي سرقها كونر سابقًا.
  • نشر توم مقالات في الصحيفة عن علاقة يانغورث بقضية سرقة جاردنر.
  • اتصل يانغورث بتوم معبرًا عن غضبه، لكنه لاحقًا رأى أن الإعلام قد يكون حليفًا له للخروج من وضعه القانوني.
  • في 18 أغسطس 1997، تلقى توم اتصالًا من مبعوث يانغورث، الذي أخذه إلى مستودع معزول.
  • في المستودع، أخرج المبعوث من أسطوانة بلاستيكية لوحة مطوية، وفتحها أمام توم. كانت اللوحة هي “عاصفة في بحر الجليل” للفنان الهولندي رامبرانت، إحدى اللوحات المسروقة من المتحف.
  • أظهر المبعوث لتوم تفاصيل اللوحة وتوقيع رامبرانت باستخدام كشاف، لمدة 30 ثانية فقط.
  • طلب المبعوث من توم عدم الكشف عن الأمر لمدة ثلاثة أيام.
  • عرف توم لاحقًا سبب عرض اللوحة: يانغورث أراد عقد صفقة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي.

شروط الصفقة والمفاوضات:

  • طلب يانغورث من مكتب التحقيقات الفيدرالي:
    1. حصانة كاملة من جميع التهم الموجهة إليه.
    2. الإفراج عن صديقه مايلز كونر من السجن ومنحه حصانة أيضًا.
    3. الحصول على جائزة الـ 5 ملايين دولار التي أعلن عنها المتحف.
  • تواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي مع توم، وأكد لهم رؤيته للوحة. خبراء فنيون من المتحف استجوبوا توم حول تفاصيل اللوحة.
  • كان مكتب التحقيقات الفيدرالي رافضًا لهذه الشروط، معتبرًا الصفقة “مذلة”.
  • حاول كونر أن يثبت أن لديهم اللوحات، فاعترف للمحققين بأنه خطط لسرقة المتحف مع اثنين من أتباعه، واكتشفوا ضعف النظام الأمني.
  • أخبرهم أن أحد أتباعه، ويليام هوتون، هو الذي كان يحفظ الأعمال الفنية المسروقة.
  • اكتشف المحققون أن ويليام هوتون هو الرجل الذي توفي بـ”نوبة قلبية” والذي كانوا يشكون فيه. بعد وفاته، انتقلت حيازة الأعمال إلى يانغورث.
  • وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، حيث رفض كونر إعطاء أي معلومات إضافية ما لم يُمنح الحصانة، بينما رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التفاوض ما لم يقدموا دليلًا على أن الأعمال أصلية.
  • لاحقًا، في أكتوبر 1997، وصل دليل إلى مكتب توم ماشبرغ: ظرف يحتوي على صور للوحات المسروقة وقطع صغيرة جدًا من دهان اللوحات.
  • أكد خبير التصوير أن الصور حقيقية وغير متلاعب بها، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي قال إنها لا تثبت أن اللوحات المصورة أصلية.
  • أرسلت قطع الدهان إلى خبير تزوير أكد أنها تعود إلى القرن السابع عشر وتتوافق مع نوع الدهان الذي استخدمه فنانو تلك الحقبة مثل رامبرانت وفيرمير.
  • لكن عندما فحص مكتب التحقيقات الفيدرالي قطع الدهان بأنفسهم، وصلوا إلى نتيجة أنها لا تتوافق مع قطع الدهان الموجودة في مسرح الجريمة، ورفضوا الاعتراف بها كدليل.
  • كانت أهداف الأطراف مختلفة: اللصوص يريدون الحصانة والجائزة، الصحفي يريد قصة، والمتحف يريد استعادة أعماله، ومكتب التحقيقات الفيدرالي يريد القبض على المجرمين.
  • طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي من كونر ويانغورث تقديم لوحة واحدة كدليل، لكن محاميهم نصحهم بأن ذلك سيكون غباءً لأنهم سيعتقلون فورًا.

الخاتمة:

  • توقفت المفاوضات بالكامل.
  • خسرت جميع الأطراف: كونر أكمل محكوميته في السجن، والمتحف لم يستعد اللوحات، ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتمكن من اعتقال اللصوص الذين نفذوا العملية.
  • الوحيد الذي خرج فائزًا كان الصحفي توم ماشبرغ الذي حصل على قصة مميزة.
  • لم يتم استعادة اللوحات حتى اليوم، وتعتبر القضية غير محلولة.
  • توم الصحفي يؤمن بأنه لو تمت الصفقة، لكانت اللوحات قد عادت.
  • كونر، الذي أصبح مسنًا الآن، قد يكون واحدًا من القلائل في العالم الذين يعرفون مكان اللوحات.

رابط الحلقة هنا

One thought on “اقتحام بذكاء لا يصدق أضخم سرقة متحف في التاريخ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top